" قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفــون " (يوسف 18(
" قال بـل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرجميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعــاً إنه هو العليم الحكيم " (يوسف 83 )
لم أزل أمشي ..
وقد ضاقتْ بعيــنيّ المســالكْ ...
الدجـى داجٍ .. ووجه الفجـر حالكْ...
والمــهالك .. تتــبدّى لي بأبــواب الممــالكْ :
" أنــت هــالـِك .. أنــت هــالـِكْ !! "
غيـــر أني .. لم أزل أمشـي ...
وجـُـرحي ضـحكة تبــكي ..
ودمــعي من بــكاء الجـرح ضــاحكْ !! .
في رحلة الحياة .. تضيق الطرق أمامنا .. يزداد الظلام ظلاماً .. يبدو الفجــر حلماً غريباً بعيد المنــال ..
في رحـلة الحياة تبرز المصائب بمخالبها الجليدية ، وأنيــابها الحادّة ، تهاجمنــا لتســحق أحلامنا بثــقلها الخـانق .. تحطـّـم قلوبنا بشراستها العاتية .. تلاشي كل ما تبقـى في صدورنا من حبّ الحياة .
ولكن تأمّل للحظــات معي في كتــاب الله ، وإنني لأضمن لك منه الشفــاء .. لقد وصف الله ـ سبحانه ـ سيدنا يعقــوب ـ عليه السلام ـ بأنه " ذا عِـلــم " ، وفي سيــاق سورة " يوسف " نجد شيئاً عجيباً أطرحه عليك لنتأملــه ونـنبهر لروعته سويا ..
فحينــما تمّ إخبار هذا النبي ـ يعقوب ـ بأن الذئب قد أكــل ابنه ماذا قال ؟؟ ..
أول ما قاله بعد استسلامه للمصيبة هو أن أمر نفسه بالصبر قائلاً : " فصبــرٌ جميــل والله المستعان على ما تصــفون " ..
ثم توالــت الأحداث في القصـة الشائقة المثيرة إلى أن علـم هذا النبي بضياع ابــنه الثاني ـ أحب أبنائه إليه بعد سيدنا يوسف ـ حينما تمّ اتهامه بالسرقة .. فماذا قال ؟؟ ..
أول ما قاله بعد تيـقنه من حُــلول المصيبة عليه هو أن أمر نفسه بالصبر قائلاً : " فصبــرٌ جميــل " لكنه لم يكتفِ بهذا القـدر .. بل قال بعدها " عسى الله أن يأتيــَـني بهم جميـعاً " .. ها هنا العجب .. وهنا السؤال ؛ كيف طرق هذا الاحتمال ذهنه بعد أن ذاق ما ذاق ؟؟!! .. إن الطبيعي هو أن يأمل بعودة ابنه الثاني إليه لا أن يعود ابنه الأول الذي أكله الذئب ـ فيما قالوه ـ مع ابنه الأول .. فكيــف طمــع في عودتهم جميعاً ؟؟؟
ها هنا السرّ .. إن يعقوب ـ عليه السلام ـ ذو علم لما علـّـمه ربه ، ولذلك فإنه يدرك يقيناً أن المصائب ما هي إلا ابتــلاء من الله .. وأنها لا تخــبو وتنــهي إلا حين بلــوغها أوجــها .. إنه يدرك يقيــناً أن الساعات التي تسبق طــلوع الفجر هي أشـدّ ساعات الليــل حـُـلكة .. أن القيـد لا يشتـد إلا تمهيداً لأن ينقطع ، وأن الظلام لا يشــتدّ إلا تمهيداً لإشراق صبح جديد .. صبــحٍ صـار من حقـنا فيه أن نغرس بذور الأمـل وأن ندرك أنه مهما تكالبت من حولنا المصائب .. وضاقت أمامنا الطرق .. واشتدّ الظلام ظلاماً .. ليســحق الأحلام ، ويقتـل الآمال ، ويـُـطفئ ما تبقى فؤادك من حبّ الحيـــاة .. فإن الله ـ سبحانه ـ يبــشـّـرنا بانقضاء الغـمة ، والفوز بأجرها .. إذن فلا تخشَ شيـئاً وتـذكر ما قاله سيدنا يعقــوب ، فاصبر أولاً ثم أبشر بالفرج سريعاً .. وردّد في عقــلك دائماً : " فإن مع العســر يسرا * إن مع العســر يســرا " ( سورة الشرح )
عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، عن النبيـ صلى اله عليه وسلم ـ قال" ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى،ولا غم،حتىالشوكةيشاكهاإلا كفر الله بها منخطاياه" ( متــفق عليه ) .