( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ) ( آل عمران 26)
كثيراً ما أجبرتنا الظروف على اختيــار أشياء لم نكـن نرجوها .. وخوض تجارب لم نكن نطمح إليها .. هكذا العـادة غالباً ؛ النشأة في مكان لا يعجبك .. الوصول إلى كليـّة لا تلائمك .. التعرّف على أناس لا يفهمونك .. وإذا كابرت ونجحت في اختيــار ما تريد فإنك لن تستطيع أبداً أن تدرك كلّ ما تمنـّـيت ، حيث دائماً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السـفن .
ولكن من قال أن اختياراتك هي حقـاً الأفضل بالنسبة إليك ؟؟ .. تــأمل معي الآية السابقة ، ودعنا نحــللها ونحاول فهمها بشيءٍ من التركيـز ؛ إن الله هو الذي يختــار لعباده .. فيؤتي الملك من يشــاء وينزعه ممـن يشاء ، وتأمـّـل قليلاً في استخدام التعبير القرآني للفـظ ( النـزع ) بما يؤكـّـد على شدّة تمسّــك النـاس بهذا الملك .. كما أنه ـ تعالى ـ يـعز من يريد له الـعزة ، ويـذلّ من يريد له المـذلـّـة .. كل هذا طبيـعي ومنطقي .. ولكن الصدمة تــأتي حين يقـول الله تعالى بعد كل هذا ( بيــدك الخيــر ) .. فمن الواضح أن منـح الله ـ سبحانه ـ المـُـلك لعباده هو الخيـر ، وكذلك بأن يجعلهم أعزاء ، ولكن كيـف يكون الخيـر في انتـزاع المـُـلك منهم ؟؟!! .. أو في مذلتهم ؟؟!!
هنا يجب أن نتــوقـف قليلاً .. لنـتفكر في أن الله ـ سبحانه ـ لا يريد لعباده سوى الخيـر ، ولكن يريـد أن يـختبرهم ليـنقيهم ويصـفـّـيهم .. يريد أن يظهر كل واحد أمــام نفسـه ..
إن الخيـر بيـديه .. مهما كانت الخيارات المفروضة عليك فكل شيءٍ بيـد الله .. وهو على كلّ شيءٍ قدير ..
إن الخير بيديه .. لذا لا تفزع ولا تـخف .. بل اسـتمرّ في طريقك ، ومهما ألقتْ بك الأحداث فحاول أن تكون الأفـضل دائماً ..
إن الخير بيديه .. فإذا كـان لك من الأمـر شيءٌ فأقم الصلاة له ؛ صلاة الاستــخارة كي يهديك إلى الطريق المستقيم .. الطريق الذي فيه خير دنياك وآخرتك ..
إن الخير بيديه .. فإذا أعطاك الله مـُـلكاً أو علماً فلا تفخـر به على النـاس .. وإذا جعلك عزيزاً بينهم فلا تجعل كل همـّـك هو أن تســتذلهم .. أما إذا نـزع الـجبّـار منك هذا الملك فلا تبتئس ولا تحزن ، لأن مدى بلائك يتناسب دائماً مع مدى قـربك من الله .. وإذا أذلـّـك الله القـهار بين النــاس فلا تبــالِ بما حدث لك .. وأبشر دائماً بانـفراج الغمـة واقتــراب الرفعة بيــنهم .. بل وردّد بينك وبين نفسك دائماً قـوله الحكيم :
( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) " البـقرة 216 "
صدق الله العظيم
ولا تنسَ أن الخيــر بيــديه .. فإذا كـان لك من الأمر شيءٌ فاعلم أن أفضل وأنسب اختيــار هو عـدم الاختيــار .