لـعـبكـة .. لا أجــد وصف آخر يمكن أن ينطبق على المشهد فى أى مدينة وأى شارع قبل إنطلاق مدفع الافطار .. مزيج من السيارات تتداخل فى خطوط طويلة وعريضة وهو ما يمنع أى منهم الحركة فى أى إتجاة .. هذا المزيج مصحوب بزحام من التكسات ومعزفات متنوعة من السباب والشتيمة من الجميع وللجميع يتلخص
التعليق الذى ستسمعه فى حال أبديت تدهشتك منها (الدنيا صيام والناس روحة فى مناخيرها وكل سنة وإنت طيب ) فى مشهد العشرات من الساخطين من أنهم لن
ليحقوا ألافطار فى بيتهم أوحتى فى بيوت من عزموهم .. وسطهم العشرات من اللى مش فارقة معاهم إفطارهم أولا يلحقوه .. وبنهم عدد ممن يبحثون بلهفة غريبة
عن علبة السجائر كى يضمنوا إفطارهم ويستعجل أحدهم المدفع لا ليفطر بل ليشعل سيجارته .. يتداخل كل هؤلاء البشر وكل هذه الاصوات والصور فى المشهد لتشعر
أن هذه اللعبكة أبدية ويستحيل أن تنتهى حتى بعد المغرب بساعات .
وتلك الحالة من اللعبكة تستمر على مدار الشهر الكريم .. يقع فيها البشر على اختلاف أطيافهم .. فهذا رجل منهمك فى التفكير والبحث عن موارد يغطى بها نفقات مستلزمات شهر رمضان ومن بعدة العيد .. وهذه سيدة تحاول جاهدة البحث عن ترتيب لليوم وكيف يمكنها من مشاهدة أكبر عدد من مسلسلات رمضان ........
( اللى أكتر من الهم على القلب ) .. بينما يفكر أخر فى إيجاد وقت لختم القرآن
أكثر من مرة والحفاظ على صلاة التراويح ومشاهدة الكثير من البرامج الدينية
.. وهناك من يفكر جاهداً فى الوصول لأفضل الخيمات الرمضانية التى يمكن أن ينبسط فيها وينسى معاناته مع الصيام كل نهار .....
ويبقى كل منهم طوال الشهر الفضيل يغنى على ليلاه .. والكل يتلعبك فى لعبكته.
المتلعبكون فى الشارع يومياً قبل الإفطار يمنحونك الشعور بأن العالم سينتهى بإنطلاق مدفع ألافطار .. يضرب المدفع وأيضاً المتلعبكون يتعاملون وكأن نهاية العالم ستأتى مع الهلال الجديد الذى سيولد فى السماء ليعلن نهاية الشهر العظيم فيحرص كل منهم على ملء جعبتة بما يقدر من خيرات ( وكل واحد وفهمه للخيرات بقى )
وفجأة تنتهى اللعبكة ويضرب المدفع ويندهش كل ماينزل الى الشارع أى شارع من خلوه من البشر ....
وبعد أيام معدودة ينتهى شهر الخيرات وينفض المولد وتنتهى لعبكة كل الناس ويعود كل منهم إلى مكانه الطبيعى وحياته السابقة ... وتعود المساجد لحالها بعد مرور ثلاثين يوًماً ...... ولا يجد الناس عذراً يلصقون به النرفزة والسباب حين لا تصير الدنـــــــيا صيـــــــــام ... تنتهى اللعبكة دون أن يفهم الناس شيئاً ....
مثلهم مثل الطفل الذى عرف أن رمضان شهربكار وظاظا وجرجير وشراء الفانوس والهتاف (وحوى يا وحوى.... إياحة )
ولن أندهش لــو عرفت أن كلمة (إياحة ترجمة لكلمة لعبكة ) بلغة الاطفال
والله أعلم ................ وكــــل عــام وأنـتـم بخـير !!!