. مكانة المرأة المسلمة:
جاء الإسلام ليعيد للبشرية توازنها المنشود، ويخرجها من ظلمات الجاهلية والهوى إلى نور الهدى والإسلام، وإن من أعظم القضايا التي جاء الإسلام بتصحيحها: قضية المرأة بكافة أبعادها، حيث أصَّلَ حقوقها، وبيّن واجباتها، وأظهر مكانتها ودورها في الحياة.
فكانت المرأة في الإسلام قسيمة الرجل، فلها الحقوق المعتبرة، وعليها من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها، وفي الحديث: (إنما النساء شقائق الرجال )، رواه أبو داود والترمذي، وصححه السيوطي، وحسنه الألباني.
فالمرأة والرجل في الإنسانية سواء {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى } [القيامة: 39]. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ً} [النساء: 1].
وهما في التكاليف والعبادة والثواب والعقاب سواء، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة ً} [النحل: 97].
وعليها من الواجبات والمسؤوليات، والموالاة والنصرة ما على أخيها الرجل، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه ُ} [التوبة: 71].
ثم إن المرأة هي عماد المجتمع وينبوعه، فلم يغفل ديننا الحنيف حقها الأوفى من التكريم، أماً وزوجة وبنتاً وأختاً ورحماً.
فهي أم، تنال التكريم والاحترام، ولا يساويها أحد في حقها على أبنائها، بما أسدت من جميل، وما تحملت من متاعب {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا } [الأحقاف: 15].
وفي الحديث: أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك . قال: ثم من؟ قال: أمك . قال: ثم من ؟ قال: أمك . قال: ثم من ؟ قال: أبوك ) رواه البخاري ومسلم.
وجعل الإسلام عقوقها من أكبر الكبائر، وفي الحديث: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ) رواه البخاري ومسلم.
والزوجة في الإسلام مكرمة، وقد وصفت في القرآن بأنها سكن للرجل، وأن علاقتهما علاقة مودة ورحمة، قال عز وجل: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون َ} [الروم: 21].
وخير الناس في الإسلام أوفاهم بحقوق زوجته، وفي الحديث : (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وصححه السيوطي.
وهي بنتاً زينة الدنيا، وحجاب عن النار لمن أحسن تربيتها وتأديبها، وفي الحديث: (من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهن وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته، كن له حجاباً من النار يوم القيامة )، رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
جدته: أي غناه.
فهذا بعض ما للمرأة المسلمة من المكانة، سمت به على كل بنات جنسها ممن لم ينعمن بنعمة الإسلام، ويتشرفن بالانتساب إليه.
2. دور المرأة في المجتمع الإسلامي:
لقد رسم الإسلام المعالم الكبرى التي ينبغي للمرأة المسلمة في كل زمان ومكان ألا تخرج عنها في حياتها. فجعل البيت هو المكان الطبيعي للمرأة، واهتم الإسلام بدور المرأة فيه اهتماماً بالغاً، وفي قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب: 33]. إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر، وما عداه يكون استثناء طارئاً، إذ البيت سكن للأسرة، يلتقي فيه أفرادها على المودة والرحمة، وفي كنفه تنبت الطفولة، ويدرج النشء، وإنما يحصل ذلك عندما تقوم المرأة بدورها في بيتها.
وقد دلت الدراسات الاجتماعية والتربوية، بل والاقتصادية على أهمية دور المرأة في بيتها، وعن حاجات أفراد الأسرة إليها، زوجاً، ليسكن إليها زوجها، ويريح نفسه من عناء العمل والكد والتعب، وطفلاً؛ يحتاج إلى أمه في كل لحظات حياته من لحظة حمله إلى أن يبلغ مبلغ الرجال.
إن عمل المرأة في بيتها عمل مقدس، تؤجر عليه وتثاب، وله أعظم الأثر في الاستقرار النفسي والاجتماعي للمجتمع المسلم.
وإذا كان البيت هو المكان الطبيعي لعمل المرأة؛ بما يتناسق مع فطرتها وطبيعتها؛ فإن الشريعة الإسلامية أجازت للمرأة العمل خارج بيتها عند الحاجة؛ بشروط وضوابط تتلخص في الآتي:
1. أن يتوافق العمل مع طبيعتها وحاجات المجتمع:
ولقد ضرب الرعيل الأول أحسن الصور في ذلك، فقد كانت نساء الصحابة القدوةَ في أعمالهن: في الدعوة إلى الله، وفي طلب العلم النافع، والدفاع عن بيضة الإسلام عند الحاجة. وفي الأمور الاجتماعية كمعاونة المحتاجين، والتربية والإرضاع، وغير ذلك، مما سنعرضه في نماذج من النساء في صدر الإسلام.
2. الالتزام بالحجاب، مع ترك الاختلاط أو الخلوة أو التبرج والسفور.
3. أمن الفتنة، فإن الشريعة الإسلامية جاءت بسد ذرائع الفساد والشر، وقد أرشد أمهات المؤمنين - قدوة نساء العالمين - فقال: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [الأحزاب: 32].
4. ألا يستغرق العمل وقتها، أو يتنافى مع طبيعتها:
وذلك أن الإسلام يعطي الأولوية للبيت من اهتمام المرأة؛ ولأن عمل المرأة خارج البيت إذا استغرق وقتها وجهدها، أثر على حقوق الزوج، ورعاية الأبناء.
وإنما يهدف الإسلام بذلك إلى بناء المجتمع المتكامل المترابط، الذي يعيش أفراده على الطهر والعفاف، والراحة والوئام.
نماذج من النساء الشهيرات في التاريخ الإسلام:
1. خديجة بنت خويلد:
هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية الأسدية، أم أولاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأول من آمن به وصدقه، تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- وله خمس وعشرون سنة، وكانت أكبر منه بخمس عشرة سنة.
كانت عاقلة جليلة ديّنة مصونة كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها.
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرّى حتى قضت نحبها.. (وقد أمره الله عز وجل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.. ) متفق عليه. ومناقبها جمة.. توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين.
2. عائشة بنت أبي بكر الصديق:
هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق القرشية التيمية، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأفقه نساء الأمة على الإطلاق، ولدت في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، ودخل بها في شوال سنة اثنتين بعد انصرافه من غزوة بدر، وكانت امرأة بيضاء جميلة، لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، ولا أحب امرأة حبها.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما روت عن أبيها، وعن عمر، وفاطمة وغيرهم.
توفيت سنة سبع وخمسين للهجرة وقيل بعدها، ودفنت بالبقيع.
3. فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم:
هي أم الحسنين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشية الهاشمية.. ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي بن أبي طالب سنة اثنتين بعد وقعة بدر، وولدت له الحسن والحسين ومحسناً وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج عليها تطييباً لخاطرها ورعاية لها، فلما توفيت تزوج وتسرى.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها، وكانت صابرة ديّنة خيّرة صيّنة قانعة شاكرة لله، وقد انقطع نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من قِبَلِ فاطمة.
توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها، وغسلها علي بن أبي طالب.
4. أم عمارة نسيبة بنت كعب:
هي أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية الخزرجية الفاضلة المجاهدة شهدت أم عمارة ليلة العقبة، وشهدت أحداً والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلت الأفاعيل، حتى قطعت يدها في الجهاد.
كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم وهو الذي قَطَّعَه مسيلمة.
عاشت إلى خلافة عمر بن الخطاب.
5. أم سليم:
هي أم سليم العميصاء، ويقال: الرميصاء بنت ملحان بن خالد الأنصارية الخزرجية، وهي أم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شهدت أحداً وحنيناً، وشهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
مات زوجها مالك بن النضر، فلما خطبها أبو طلحة الأنصاري وكان مشركاً قالت إني قد آمنت، فإن تابعتني تزوجتك، فأسلم أبو طلحة فتزوجته، فكان صداقها الإسلام.